الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إن الله جل وعلا حفظ الدماء وصانها من السفك والهدر والضياع،كما أنه حفظ الأعراض وجعل لها حرمة وصيانة، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه آداباً وأخلاقاً تحفظ الناس من النظر إلى أعراض المؤمنين،فما هي إذن أهمية آداب الإستئذان في الشرع؟ وإلى ماذا ينقسم؟ وما هي صيغ الإستئذان؟ وما هي بعض آداب الإستئذان؟
1)- أهمية آداب الإستئذان في الشرع :
فالإستئذان،هو الأدب العظيم الذي جاءت به هذه الشريعة المباركة، وكلها خيرٌ وبرٌ وإحسان ونفعٌ للمسلمين في كل أحوالهم، العلم والإعلام،وهوأيضا التماس الإذن تأدباً خشية الاطلاع على العورة، و استباحة المحظور على وجه مشروع، و طلب في الدخول لمحلٍ لا يملكه المستأذن.
ولا شك أن هذه الشريعة التي تريد سعادة المجتمع، وأن يكون مجتمع إيمان وبرٍ وتقوى، ويتبين فيه خصائص هذه الأمة التي قال الله فيها: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران:110] لا شك أن هذا الأدب يبين رغبة الشريعة في هذه الرفعة والمكانة، والإنسان صاحب غرائز وشهوات وميول ورغبات، والله سبحانه وتعالى يعلم ذلك، وحينما حرم الزنا حرم دواعيه من النظر والخلوة والتبرج وكل ما يؤدي إليه، ومن المعلوم خطورة النظر في المجتمع الإسلامي، وإنه إذا أطلق يؤدي إلى الوقوع في المحرمات، ولذلك كان شأنه خطيراً، فنزلت أحكام الاستئذان لمعالجة قضايا البصر، وهو -أي الاستئذان- أدبٌ رفيع يحمي حرمة البيوت ويحافظ عليها وأي حرمة أعظم من أن جعل المصطفى صلى الله عليه وسلم العين التي تنظر بغير استئذانٍ عيناً مهدرةً لا دية لها، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو أن امرءاً اطلع عليك بغير إذن؛ فحذفته بحصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح ) رواه البخاري .
فالإستئذان ينقسم إلى قسمين:
* آية الاستئذان العام
فقد قال الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } [النور:27-29].
فهذه أول آية من آيات الاستئذان، وهي آية الاستئذان العام التي أدب الله بها عباده المؤمنين، كان الرجل في الجاهلية إذا لقي أخاه لا يسلم عليه، بل يقول له: حييت صباحاً، وحييت مساءً ونحو ذلك، فأبدلهم الله خيراً من ذلك تحية أهل الإسلام، أنفع الخير والثناء وهي دعاء صالح وطيب، وهذا النهي في الآية وهو قوله: (لا تدخلوا) للتحريم، فمعنى ذلك: أن الدخول لا يجوز إلا بإذن؛ لما في ذلك من الاطلاع على العورات والتصرف في ملك الغير بغير إذن، وهذا نوعٌ من الغصب.
* آية الاستئذان الخاص :
ويقصد بالإستئذان الخاص،الإستئذان داخل البيت ، ذاك استئذان لدخول البيت، وهذا استئذان داخل البيت وهو المذكور في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [النور:58-59].
هذه الآية عامة للرجال وللنساء وإن كانت بصيغة المذكر، لكن يدخل فيها النساء؛ لأن صيغة التذكير هنا من باب التغليب ليس إلا، وإلا فالنساء يدخلن في ذلك؛ لأن النساء من باب حفظ العورة أشد من الرجال، فإذا ثبت الحكم في الرجال فالنساء من باب أولى، وقوله: { الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النور:58] سواءً كانوا بالغين أو غير بالغين.
{ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ } [النور:58] هؤلاء الأحرار، وليس المراد الذين لم يظهروا على عورات النساء؛ لأن الذي لم يبلغ الحلم قد يعرف أحوال النساء فيميز المرأة الجميلة من المرأة القبيحة، وله التفات إلى النساء وإلى ملابس النساء وزينتهن ويصف النساء، فقوله: { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ } [النور:58] أي: الأحرار غير البالغين، وليس خاصاً بالذين لم يظهروا على عورات النساء، بل المراد الذين عرفوا أمر النساء لكن ما بلغوا الحلم، أما ابن السنتين ونحوها ليس من الذين يظهرون على عورات النساء، ولا يميز المرأة الجميلة من المرأة القبيحة أو يصف ويهتم بشئون النساء وله ميلٌ إلى ذلك.
وهذه الأوقات الثلاثة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى هي أوقات الخلوة والتصرف التي يمكن أن يأتي فيها الإنسان أهله في العادة، فالله عز وجل يعلم أن الاستئذان الخاص مثلاً: استئذان الخدم أو الإماء أو الأطفال على الأبوين مثلاً، كل وقت يشق فجعله واجباً في هذه الأوقات الثلاثة؛ لأنه يوجد مشقة، لأجل الطواف بالخدمة، وقضاء الأشغال والحوائج، فإذا كانت كلما تريد أن تتحرك من مكان إلى مكان تستأذن سيكون هناك مشقة، لكن جعل هناك أوقات معينة ليس فيها دخول إلا باستئذان، وهي مظنة خلع الثياب ومظنة إتيان الرجل أهله واستراحته وقيلولته ونومه، وكانوا في الحر يخلع الرجل إزاره ورداءه، فربما تعرى فينكشف فيطلع غير المستأذن على شيء غير مناسبٍ على الإطلاق.
2)- صيغ الإستئذان :
وأما صيغ الاستئذان فإن الصيغة المشهورة (السلام عليكم أأدخل؟) فإن أذن له دخل وإلا رجع، ودل على هذه الصيغة أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال: (أألج - أي أأدخل؟- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج يا هذا فعلمه الاستئذان فقال له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ) رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب كيفية الاستئذان، وصححه الألباني.
3)- بعض آداب الإستئذان :
* حكم الإستئذان على الزوجة:
الاستئذان على الزوجة ليس بواجب، إنما هو من كمال الأدب، قال ابن جرير لـ عطاء : أيستأذن رجل على امرأته؟ قال: لا.
لكن قالت زينب زوجة ابن مسعود : [ كان عبد الله -يعني زوجها- إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح كراهة أن يهجم منا على أمرٍ يكرهه ] إسناده صحيح، صححه ابن كثير رحمه الله في تفسيره ، فإذا من كمال الأدب أن يستأذن الإنسان على زوجته، لكن من ناحية الوجوب لا يجب، وهناك فرقٌ بين إعلامها بالدخول وبين الاستئذان عليها، فالزوجة تعلم بالدخول لئلا تكون على حالٍ تكره أن يراها زوجها عليها، وإلا فالزوجة لا يجب الاستئذان عليها، لكن لا يفاجئها فتقع في شيءٍ من الحرج.
* تقديم السلام على الاستئذان:
لما تكلمنا عن قضية الاستئذان وقلنا: إنه يرفق بالسلام، السلام قد يكون استئذاناً، وقد يكون الاستئذان بغير سلام، فلو قال الإنسان: أأدخل؟ يكفي للاستئذان، لكن الأفضل أن يكون السلام مرافقاً للاستئذان، فيقول: السلام عليكم أأدخل؟ ويتضح من هنا أن السلام قبل الاستئذان.
* اختيار الأوقات المناسبة :
المجيء لابد له من اختيار الأوقات المناسبة، على كل حال فالإنسان لا يأتي مثلاً في نصف الليل أو بعد نصفه، أنا أطرق الجرس ثلاث مرات إن أذنوا لي وإلا رجعت، ولكن هذا الوقت غير مناسب، فاستئذانك مزعج، لو ما جئت لكان أحسن، وإلى لقاء قريب إن شاء الله مع أدب إسلامي آخر،والسلام عليكم.